فصل: فصل: (زكاة الجواهر واللآلئ)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ زكاة الذهب والفضة

وهي واجبة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم‏}‏ ولما نذكره في النصوص ولأنهما معدان للنماء فأشبها السائمة ولا زكاة إلا في نصاب ونصاب الورق مائتا درهم ونصاب الذهب عشرون مثقالا لما روى عمر بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏ليس في أقل من عشرين مثقالا من الذهب ولا أقل من مائتي درهم صدقة‏]‏ رواه أبو عبيد والاعتبار بدراهم الإسلام التي وزن كل عشر منها سبعة مثاقيل بغير خلاف فإن نقص النصاب كثيرا فلا زكاة فيه للحديث ولقوله‏:‏ ‏[‏ليس في ما دون خمسة أواق صدقة‏]‏ والأوقية أربعون درهما وإن كان يسيرا كالحبة والحبتين فظاهر كلام الخرقي لا زكاة فيه للخبر وقال غيره من أصحابنا‏:‏ فيه الزكاة لأن هذا لا يضبط فهو كنقص الحول ساعة أو ساعتين ولا يضم الذهب إلى الفضة في إكمال النصاب لأنهما جنسان اختارها أبو بكر وفرق بينها وبين الحبوب لاختلاف نصابها واتفاق نصاب الحبوب وعن أحمد رضي الله عنه‏:‏ أنه يضم لأن مقاصدها متفقة فهما كنوعي الجنس ويضم أحدهما إلى الآخر بالأجزاء فيحسب كل واحد من نصابه ثم يضم إلى صاحبه لأن الزكاة تتعلق بأعيانها فلا تعتبر قيمتها كسائر الأموال‏.‏

وعنه‏:‏ تضم القيمة إن كان ذلك أحظ للفقراء فيقوم الأعلى منهما بالآخر فإذا ملك مائة درهم وتسعة دنانير قيمتها مائة درهم وجبت زكاتها مراعاة للفقراء ويجب في الزائد على النصاب بحسابه لأنه يتجزأ من غير ضرر فأشبه الحبوب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏زكاة الرقة‏]‏

والواجب فيها ربع العشر لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏في الرقة ربع العشر‏]‏ رواه البخاري والرقة‏:‏ الدراهم المضروبة فيجب في المائتين خمس دراهم وفي العشرين مثقال نصف مثقال ويخرج عن كل واحد من الرديء والجيد وعن كل نوع من جنسه إلا أن يشق ذلك لكثرة الأنواع واختلافها فيؤخذ في الوسط لما ذكرنا في الماشية وإن أخرج الجيد عن الرديء كان أفضل فإن أخرج رديئا عن جيد زاد بقدر ما بينهما من الفضل لأنه لا ربا بين العبد وسيده‏.‏

وقال القاضي‏:‏ هذا في المكسرة عن الصحيحة أما المبهرجة فلا يجزئه بل يلزمه إخراج جيده ولا يرجع فيما أخرج لله تعالى وفي إخراج أحد النقدين عن الآخر روايتان بناء على ضم أحدهما إلى الآخر ومن ملك مغشوشا منهما فلا زكاة فيه حتى يبلغ قدر الذهب والفضة نصابا فإن شك في بلوغه خير بين سبكه ليعرف وبين أن يستظهر ويخرج ليسقط الفرض بيقين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏زكاة الجواهر واللآلئ‏]‏

ولا زكاة في الجواهر واللآلئ لأنها معدة للاستعمال فأشبهت ثياب البذلة وعوامل الماشية وأما الفلوس فهي كعروض التجارة تجب فيها زكاة القيمة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من ملك مصوغا محرما من الذهب أو الفضة‏]‏

ومن ملك مصوغا من الذهب أو الفضة محرما كالأواني وما يتخذه الرجل لنفسه من الطوق ونحوه وخاتم الذهب وحلية المصحف والدواة والمحبرة والمقلمة والسرج واللجام وتازير المسجد ففيه الزكاة لأن هذا فعل محرم فلم يخرج به عن أصله فإن كان مباحا كحلية النساء المعتادة من الذهب والفضة وخاتم الرجل من الفضة وحلية سيفه وحمائله ومنطقته وجوشنه وخوذته وخفه ورانه من الفضة وكان معدا للتجارة أو نفقة أو كراء بيت ففيه الزكاة لأنه معد للنماء فهو كالمضروب وإن أعد للبس والعارية فلا زكاة فيه لما روى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏ليس في الحلي زكاة‏]‏ ولأنه مصروف عن جهة النماء إلى استعمال مباح فلم تجب فيه زكاته كثياب البذلة وحكى ابن أبي موسى عنه أن فيه الزكاة لعموم الأخبار‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الفرق بين كثير الحلي وقليله‏]‏

ولا فرق بين كثير الحلي وقليله لعدم ورود الشرع بتحديده وقال ابن حامد‏:‏ إن بلغ حلي المرأة ألف مثقال فهو محرم وفيه الزكاة لأن جابرا قال‏:‏ إن ذلك لكثير ولأنه سرف لم تجز العادة به فأشبه ما اتخذت حلي الرجال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم الحلي المكسورة‏]‏

فإن انكسر الحلي كسرا لا يمنع اللبس فهو كالصحيح إلا أن ينوي ترك لبسه وإن كان كسرا يمنع الاستعمال ففيه الزكاة لأنه صار كالنقرة ولو نوى بحلي اللبس التجار والكرى انعقد عليه حول الزكاة من حين نوى لأن الوجوب الأصل فانصرف إليه بمجرد النية كما لو نوى بمال التجارة القنية‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يعتبر في نصاب المصوغ‏]‏

ويعتبر النصاب في المصوغ بالوزن لعموم الخبر فإن كانت قيمته أكثر من وزنه لصناعة محرمة فلا عبرة بزيادة القيمة لأنها معدومة شرعا وإن كانت مباحة كحلي التجارة فعليه قدر ربع عشره في زنته وقيمته لأن زيادة القيمة هاهنا بغير محرم فأشبه زيادة قيمته لنفاسة جوهره فإن أخرج ربع عشره مشاعا جاز وإن دفع قدر ربع عشره وزاد الوزن بحيث يستويان في القيمة جاز لأن الربا لا يجري هاهنا وإن أراد كسره ودفع ربع عشره مكسورا لم يجز لأنه ينقص قيمته وإن كان في الحلي جواهر ولآلئ وكان للتجارة قوم جميعه وإن كان لغيرها فلا زكاة فيها لأنها لا زكاة فيها منفردة فكذلك مع غيرها‏.‏

باب‏:‏ زكاة المعدن

وهو ما استخرج من الأرض مما خلق فيها من غير جنسها كالذهب والفضة والحديد والنحاس والزبرجد والبلور والعقيق والمغرة وأشباهها والقار والنفط والكبريت ونحوه فتجب فيه الزكاة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومما أخرجنا لكم من الأرض‏}‏ وروى الجوزجاني بإسناده عن بلال بن الحارث المزني‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ من معادن القبلية الصدقة وقدرها ربع العشر لأنها زكاة في الأثمان فأشبهت زكاة سائر الأثمان أو تتعلق بالقيمة أشبهت زكاة التجارة ولا يعتبر لها حول لأنه يراد لتكامل النماء وبالوجود يصل إلى النماء فلم يعتبر له حول كالعشر ويشترط له النصاب وهو مائتا درهم من الورق أو عشرون مثقالا من الذهب أو ما قيمته ذلك من غيرهما لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏ليس فيما دون خمس أوراق صدقة‏]‏ ولأنها زكاة تتعلق بالأثمان أو بالقيمة فاعتبر لها النصاب كالأثمان أو العروض ويعتبر إخراج النصاب متواليا فإن ترك العمل ليلا أو نهارا للراحة أو لإصلاح الأداة أو لمرض أو إباق عبد فهو كالمتصل لأن ذلك العادة وإن خرج بين النيلين تراب لا شيء فيه فاشتغل به فهو مستديم للعمل وإن تركه ترك إهمال فلكل دفعة حكم نفسها قال القاضي‏:‏ ويعتبر النصاب في كل جنس منفردا والأولى ضم الأجناس إلى المعدن الواحد في تكميل النصاب لأنها تتعلق بالقيمة فيضم وإن اختلفت الأنواع كالعروض ولا يحتسب بها أنفق على المعدن في إخراجه وتصفيته لأنه كمؤن الحصاد والزراعة ولا تجب على من ليس من أهل الزكاة لأنه زكاة ويمنع الدين وجوبه كما يمنع في الأثمان وتجب في الزائد على النصاب بحسابه لأنه مما يتجزأ ويخرج زكاته من قيمته كما يخرج من قيمة العروض‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏زكاة الخارج من البحر‏]‏

فأما الخارج من البحر كاللؤلؤ والمرجان والعنبر ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا شيء فيه لأن ابن عباس قال‏:‏ لا شيء في العنبر إنما هو شيء ألقاه البحر ولأنه قد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه فلم يسبق فيه سنة‏.‏

والثانية‏:‏ فيه زكاة لأنه معدن أشبه معدن البر ولا شيء في السمك لأنه صيد فهو كصيد البر‏.‏

وعنه‏:‏ فيه الزكاة قياسا على العنبر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم بيع تراب معادن الأثمان بغير جنسه‏]‏

ويجوز بيع تراب معادن الأثمان بغير جنسه ولا يجوز بجنسه لإفضائه إلى الربا وزكاته على البائع لأن رجلا باع معدنا ثم أتى عليا رضي الله عنه فأخبره فأخذ زكاته منه ولأنه باع ما وجبت عليه زكاته فكانت عليه كبائع الحب بعد صلاحه وتتعلق الزكاة بالمعدن بظهوره كتعلقها بالثمرة بصلاحها ولا يخرج منه إلا بعد السبك والتصفية كالحب والثمر‏.‏

باب‏:‏ حكم الركاز

وهو مال الكفار المدفون في الأرض وفيه الخمس لما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ أنه قال‏:‏ ‏[‏وفي الركاز الخمس‏]‏ متفق عليه ولأنه مال كافر مظهور عليه بالإسلام فوجب فيه الخمس كالغنيمة ويجب الخمس في قليله وكثيره من أي نوع كان من غير حول لذلك ويجب على كل واجد له من أهل الزكاة وغيرهم لذلك ومصرفه مصرف الفيء لذلك ولأنه روي عن عمر رضي الله عنه أنه رد بعض خمس الركاز على واجده ولا يجوز ذلك في الزكاة‏.‏

وعنه‏:‏ أنه زكاة مصرفه مصرفها اختارها الخرقي لأن عليا رضي الله عنه أمر واجد الزكاة أن يتصدق به على المساكين ولأنه حق يتعلق بمستفاد من الأرض فأشبه صدقة المعدن والعشر وفي جوازه رده على واجده وجهان لما ذكرنا من الروايتين ويجوز لواجد أن يفرق الخمس بنفسه نص عليه واحتج بحديث علي ولأنه أوصل الحق إلى مستحقه فبرئ منه كما لو فرق الزكاة‏.‏

فصل‏:‏ والركاز

ما دفنه الجاهلية ويعتبر ذلك برؤية علاماتهم عليه كأسماء ملوكهم وصورهم وصلبهم لأن الأصل أنه لهم فأما ما عليه علامات المسلمين كأسمائهم أو قرآن ونحوه فهو لقطة لأنه ملك مسلم لم يعلم زواله عنه وكذلك إن كان على بعضه علامة الإسلام وعلى بعضه علامة الكفار لأن الظاهر أنه صار لمسلم فدفنه وما لا علامة عليه فهو لقطة تغليبا لحكم الإسلام‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أحوال الركاز‏]‏

ولا يخلو الركاز من أربعة أحوال‏:‏

أحدها‏:‏ أن يجده في موات فهو لواجده‏.‏

الثاني‏:‏ وجده في ملك آدمي معصوم ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يملكه واجده لأنه لا يملك بملك الأرض إذ ليس هو من أجزئها وإنما هو مودع فيها فجرى مجرى الصيد والكلأ يملكه من ظفر به كالمباحات كلها وإن ادعاه صاحب الأرض فهو له مع يمينه لثبوت يده على محله‏.‏

والثانية‏:‏ هو لصاحب الأرض إن اعترف به وإن لم يعترف به فهو لأول مالك لأنه في ملكه فكان له كحيطانه فإن كان الملك موروثا فهو للورثة إلا أن يعترفوا أنه لم يكن لمورثهم فيكون لمن قبله فإن اعترف به ‏[‏بعضهم دون بعض فللمعترف به نصيبه وباقيه لمن قبله‏]‏‏.‏

الثالث‏:‏ وجده في ملك انتقل إليه فهو له بالظهور عليه وإن قلنا‏:‏ لا يملك به فهو للمالك قبله إن اعترف به وإلا فهو لأول مالك‏.‏

الرابع‏:‏ وجده في أرض الحرب وقدر عليه بنفسه فهو له لأن مالك الأرض لا حرمة له فأشبه الموات وإن لم يقدر عليه إلا بجماعة المسلمين فهو غنيمة لأنه قوتهم أوصلته إليه وإن وجد في ملك انتقل إليه ما عليه علامة الإسلام فادعاه من انتقل عنه ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يدفع إليه من غير تعريف ولا صفة لأنه كان تحت يده فالظاهر أنه ملكه كما لو لم ينتقل عنه‏.‏

والثانية‏:‏ لا يدفع إليه إلا بصفة لأن الظاهر أنه لو كان له لعرفه وإن اكترى دارا فظهر فيه دفين فادعى كل واحد من المالك والمكتري أنه دفنه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ القول قول المالك لأنه الدفين تابع للأرض‏.‏

والثاني‏:‏ القول قول المكتري لأنه مودع في الأرض وليس منها فكان القول قول من يده عليه كالقماش‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من استأجر أجيرا ليحفر له طالبا لكنز‏]‏

وإذا استأجر أجيرا ليحفر له طالبا لكنز فوجد كنزا فهو للمستأجر لأنه استأجره لذلك فأشبه ما لو استأجره ليحتش له وإن استأجره لغير ذلك فوجد كنزا فهو للأجير لأنه غير مقصود بالإجارة فكان للظاهر عليه كما لو استأجره ليحتمل له فوجد صيدا‏.‏

باب‏:‏ زكاة التجارة

وهي واجبة روى سمرة بن جندب قال ‏[‏إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نخرج الصدقة مما نعده للبيع‏]‏ رواه أبو داود ولأنه مال نام فتعلقت به الزكاة كالسائمة ولا تجب إلا بشروط أربعة‏:‏

أحدهما‏:‏ نية التجارة لقوله‏:‏ مما نعده للبيع ولأن العروض مخلوقة في الأصل للاستعمال فلا تصير للتجارة إلا بنيتها كما أن ما خلق للتجارة وهي الأثمان لا تصير للقنية إلا بنيتها ويعتبر وجودها في جميع الحول لأنها شرط أمكن اعتباره في جميع الحول فاعتبر فيه كالنصاب‏.‏

الثاني‏:‏ أن يملك العروض بفعله كالشراء ونحوه بنية التجارة‏.‏

وعنه‏:‏ تصير للتجارة بمجرد النية اختاره أبو بكر وابن عقيل للخبر ولأنه يصير للقنية بمجرد النية فلأن يصير للتجارة بذلك أولى وظاهر المذهب الأول لأن ما لا تتعلق به الزكاة من أصله لا يصير لها بمجرد النية كالمعلوفة إذا نوى بها الإسامة وفارق نية القنية لأنها الأصل فكفى فيها مجرد النية كالإقامة مع السفر فعلى هذا إن لم ينو عند التملك ونوى بعده لم تجب الزكاة فيه لأنه نية مجردة ولو نوى بتملكه أنه للتجارة ثم نواه للقنية صار للقنية لأنها الأصل وإن نوى بعد للتجارة لم يصر لها حتى يبيعه‏.‏

الشرط الثالث‏:‏ أن يبلغ قيمته نصابا من أقل الثمنين قيمة فإذا بلغ أحدهما نصابا دون الآخر قومه به ولا يعتبر ما اشتراه به لأن تقويمه لحظ الفقراء فيعتبر مالهم الحظ فيه ولو كان أثمانا قومه كالسلع لأنه وجد فيه معنيان يقتضيان الإيجاب فيعتبر ما يتعلق به الإيجاب كالسوم والتجارة فإن بلغ نصابا من كل واحد منهما قومه بما هو أحظ للفقراء فإن استويا قومه بما شاء منهما‏.‏

الشرط الرابع‏:‏ الحول لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول‏]‏ ويعتبر وجوب النصاب في جميع الحول لأن ما اعتبر له الحول والنصاب اعتبر وجوده في جميعه كالأثمان‏.‏

ولو اشترى للتجارة عرضا لا يبلغ نصابا ثم بلغه انعقد الحول عليه من حين صار نصابا وإن ملك نصابا نقص انقطع الحول فإن عاد فنما فبلغ النصاب استأنف الحول على ما ذكرنا في السائمة والأثمان‏.‏

وإن ملك نصابا في أوقات فلكل نصاب حول ولا يضم نصاب إلى نصاب لأن المستفاد يعتبر له حول أصله على ما أسلفناه وإن لم يكمل الأول إلا بالثاني فحولهما منذ ملك الثاني وإن لم يكمل إلا بالثالث فحول الجميع في حين كمل النصاب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل يشترط أن يملك العرض بعوض ذكره‏؟‏‏]‏

ولا يشترط أن يملك العرض بعوض ذكره ابن عقيل وأبو الخطاب وقال القاضي‏:‏ يشترط أن يملكه بعوض كالبيع والخلع والنكاح فإن ملكه بهبة أو احتشاش أو غنيمة لم يصر للتجارة لأنه ملك بغير عوض أشبه الموروث ولنا‏:‏ أنه ملكه بفعله أشبه المملوك بالبيع وفارق الإرث لأنه بغير فعله فجرى مجرى الاستدامة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا اشترى نصابا للتجارة بآخر‏]‏

وإذا اشترى نصابا للتجارة بآخر لم ينقطع الحول لأن الزكاة تتعلق بالقيمة والقيمة فيها واحدة انتقلت من سلعة إلى سلعة فهي كدراهم نقلت من بيت إلى بيت وإن اشتراه بأثمان لم ينقطع الحول لأن القيمة في الأثمان كانت ظاهرة فاستترت في السلعة وكذلك لو باع نصاب التجارة بنصاب الأثمان لم ينقطع الحول لذلك وإن اشترى نصابا للتجارة بعرض القنية أو بما دون نصاب من الأثمان أو عرض التجارة انعقد الحول من حين الشراء لأن ما اشترى به لم يجر في حول الزكاة فلم يبن عليه ولو اشترى نصابا للتجارة بنصاب سائمة أو سائمة بنصاب تجارة انقطع الحول لأنهما مختلفان فإن كان نصاب التجارة سائمة فاشترى به نصاب سائمة للقنية لم ينقطع الحول لأن السوم سبب للزكاة إنما قدم عليه زكاة التجارة لقوته فإذا زال المعارض ثبت حكم السوم لظهوره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا ملك للتجارة سائمة فحال الحول‏]‏

وإذا ملك للتجارة سائمة فحال الحول والسوم ونية التجارة موجودان فبلغ المال نصاب أحدهما دون الآخر كخمس من الإبل لا تبلغ قيمتها مائتي درهم أو أربع تبلغ ذلك وجب زكاة ما وجد نصابه لوجود سببها خاليا عن معارض لها وإن وجد نصابهما كخمس قيمتها مائتا درهم وجبت زكاة التجارة وحدها لأنها أحظ للفقراء لزيادتها بزيادة القيمة من غير وقص وسواء تم حولهما جميعا أو تقدم أحدهما صاحبه لذلك وإن اشترى أرضا أو نخلا للتجارة فأثمرت النخل وزرعت الأرض فكذلك في أحد الوجهين وفي الآخر يزكي الثمرة والزرع زكاة العشر ثم يقوم النخل والأرض فيزكيهما لأن ذلك أحظ للفقراء لكثرة الواجب وزيادة نفعه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى تقوَّم السلعة‏]‏

وتقوم السلعة عند الحول بما فيها من نماء وربح لأن الربح من نمائها فكان حولها كسخال السائمة وما نما بعد الحول ضم إليه في الحول الثاني لأنه إنما وجد فيه ويكمل نصاب التجارة بالأثمان لأن زكاة التجارة تتعلق بالقيمة فهما جنس واحد وتخرج الزكاة من قيمة العروض لا من أعيانها لأن زكاتها تتعلق بالقيمة لا بالأعيان وما اعتبر النصاب فيه وجبت الزكاة منه كسائر الأموال وقدر زكاته ربع العشر لأنها تتعلق بالقيمة فأشبهت زكاة الأثمان وفيما زاد على النصاب بحساب لذلك ويخرج عنها ما شاء من عين أو ورق لأنهما جميعا قيمة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا تم الحول على مال المضاربة‏]‏

وإذا تم الحول على مال المضاربة فعلى رب المال زكاة رأس المال وحصته من الربح لأن حول الربح حول الأصل وله إخراجها من المال لأنها من مؤنته وواجبة لسببه ويحسبها من نصيبه لأنها واجبة عليه فتجب عليه كدينه ويحتمل أن تحسب من الربح لأنها من مؤنة المال فأشبهت أجرة الكيال وفي زكاة حصة المضارب وجهان فمن أوجبها لم يجوز إخراجها من المال لأن الربح وقاية رأس المال فليس عليه إخراجها من غيره حتى يقبض فيؤدي لما مضى كالدين ويحتمل جواز إخراجها منه لأنهما دخلا على حكم الإسلام ومن حكمه وجوب الزكاة وإخراجها من المال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا أذن كل واحد من الشريكين للآخر في إخراج زكاته فأخرجاها معا‏]‏

وإذا أذن كل واحد من الشريكين للآخر في إخراج زكاته فأخرجاها معا ضمن كل واحد منهما نصيب صاحبه لأنه انعزال عن الوكالة بشروع موكله في الإخراج وإن أخرجها أحدهما قبل الآخر ضمن الثاني نصيب الأول علم بإخراجه أو لم يعلم لأن الوكالة زالت بزوال ما وكل فيه فأشبه ما لو وكله في بيع ثوب ثم باعه الموكل ويحتمل أن لا يضمن إذا لم يعلم لأن المالك غيره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من اشترى شقصا للتجارة فزادت قيمته‏]‏

ومن اشترى شقصا للتجارة بمائتي درهم فحال الحول وقيمته أربعمائة فعليه زكاة أربعمائة ويأخذه الشفيع بمائتين لأن الشفيع يأخذه في الحال بالثمن الأول وزكاته على المشتري لأنها زكاة ماله ولو وجد به عيبا رده بالثمن الأول وزكاته على المشتري‏.‏

باب‏:‏ صدقة الفطر

وهي واجبة على كل مسلم لما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ ‏(‏فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان على الذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين صاعا من تمر أو صاعا من شعير‏)‏ فعدل الناس به نصف صاع من بر على الصغير والكبير وأمر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة متفق عليه‏.‏

وتجب على المكاتب عن نفسه للخبر ولأنه مسلم تلزمه نفقته فلزمته فطرته كالحر ولا تجب على الكافر ولا على أحد بسببه فلو كان للمسلم عبد كافر أو زوجة كافرة لم تجب فطرتها لقوله‏:‏ ‏[‏من المسلمين‏]‏ ولأنها زكاة فلم تلزم الكافر كزكاة المال وتجب على الصغير للخبر والمعنى ويخرج من حيث يخرج نفقته لأنها تابعة لها ولا تجب على جنين كما لا تجب على أجنة السائمة ويستحب إخراجها عنه لأن عثمان رضي الله عنه كان يخرج عن الجنين وإن ملك الكافر عبدا مسلما لما تجب فطرته لأن العبد لا مال له والسيد كافر‏.‏

وعنه‏:‏ على السيد فطرته لأنه من أهل الطهرة فلزم سيده فطرته كما لو كان مسلما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شروط وجوب زكاة الفطر‏]‏

ولا تجب إلا بشرطين‏:‏

أحدهما‏:‏ أن يفضل عن نفقته ونفقة عياله يوم العيد وليلته صاع لأن النفقة أهم فتجب البداءة بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏ابدأ بنفسك‏]‏ رواه مسلم وفي لفظ‏:‏ ‏[‏ابدأ بمن تعول‏]‏ رواه الترمذي فإن فضل صاع واحد أخرجه عن نفسه فإنه فضل آخر بدأ بمن تلزمه البداءة بنفقته على ما نذكره في بابه إن شاء الله لأنها تابعة للنفقة فإن فضل بعض صاع ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يلزمه إخراجه لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم‏]‏ متفق عليه ولأنه لو ملك بعض العبد لزمته فطرته فكذلك إذا ملك بعض المؤدى لزمه أداؤه‏.‏

والثانية‏:‏ لا يلزمه لأنه عدم ما يؤدي به الفرض فلم يلزمه كمن عليه الكفارة إذا لم يملك إلا بعض الرقبة فإن فضل صاع وعليه دين يطالب به قدم قضاؤه لأنه حق آدمي مضيق وهو أسبق فكان أولى فإن لم يطالب به فعليه الفطرة لأنه حق توجهت المطالبة به فقدم على ما لا يطالب به ولا يمنع الدين وجوبها لتأكدها بوجوبها على الفقير من غير حول‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الثاني

دخول وقت الوجوب وهو غروب الشمس من ليلة الفطر لقول ابن عمر‏:‏ ‏(‏فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان‏)‏ وذلك يكون بغروب الشمس فمن أسلم أو تزوج أو ولد له ولد أو ملك عبدا أو أيسر بعد الغروب لم تلزمه فطرتهم وإن غربت وهم عنده ثم ماتوا فعليه فطرتهم لأنها تجب في الذمة فلم تسقط بالموت ككفارة الظهارة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوقت الأفضل لإخراجها‏]‏

والأفضل إخراجها يوم العيد قبل الصلاة للخبر ولأن المقصود إغناء الفقراء يوم العيد عن الطلب لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏اغنوهم عن الطلب في هذا اليوم‏]‏ رواه سعيد بن منصور وفي إخراجها قبل الصلاة إغناء لهم في اليوم كله فإذا قدمها قبل ذلك بيومين جاز لأن ابن عمر كان يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين ولأن الظاهر أنها تبقى أو بعضها فيحصل الغنى بها فيه وإن عجلها لأكثر من ذلك لم يجز لأن الظاهر أنه ينفقها فلا يحصل بها الغنى المقصود يوم العيد وإن أخرها ‏[‏عن الصلاة ترك الاختيار لمخالفته الأمر وأجزأت لحصول الغنى بها في اليوم وإن أخرها‏]‏ عن اليوم أثم لتأخيره الحق الواجب عن وقته ولزمه القضاء لأنه حق مال وجب فلا يسقط بفوات وقته كالدين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل يشترط لوجوبها الغنى‏؟‏‏]‏

ولا يشترط لوجوبها الغنى بنصاب ولا غيره لما روى أبو داود بإسناده عن ثعلبة بن أبي صعير عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏أدوا صدقة الفطر صاعا من بر أو قمح عن كل اثنين صغير أو كبير حر أو مملوك غني أو فقير أما غنيكم فيزكيه الله وأما فقيركم فيرد الله عليه أكثر مما أعطى‏]‏ ولأنه حق مالي لا يزيد بزيادة المال فلم يشترط في وجوبه النصاب كالكفارة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه مؤنته من المسلمين‏]‏

ومن لزمته فطرة نفسه لزمته فطرة من تلزمه مؤنته من المسلمين لما روى ابن عمر قال‏:‏ أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون فيجب على الرجل فطرة زوجته وعبده وزوجة عبده لأن نفقتهم عليه فإن كان له عبد آبق فعليه فطرته لأنها تجب بحق الملك والملك لم يزله الإباق قال أحمد‏:‏ ولا يعطي عنه إلا أن يعلم مكانه وذلك لأنه يحتمل أنه قد مات أو ارتد فلم تجب الفطرة مع الشك فإن علم حياته بعد ذلك لزمه الإخراج لما مضى وإن كانت له زوجة ناشز لم تلزمه فطرتها لأنه لا تلزمه نفقتها وقال أبو الخطاب‏:‏ تلزمه قطرتها كما تيلزم السيد فطرة الآبق وإن كان لزوجته خادم تلزم نفقته لزمته فطرته وإن كان العبد لسادة فعليهم فطرته لأن عليهم نفقته وعلى كل واحد من فطرته بقدر ما يلزمه من نفقة لأنها تابعة لها فتقدرت بقدرها‏.‏

وعنه‏:‏ على كل سيد فطرة كاملة لأنها طهرت فوجب تكميلها ككفارة القتل ومن نصفه حر ففطرته عليه وعلى سيده لما ذكرناه ومن نفقتها على اثنين من أقاربه أو الأمة التي نفقتها على سيدها‏:‏ وزوجها فطرته عليهما كذلك ومن تكفل بمؤنة شخص فمانه شهر رمضان بالمنصوص عن أحمد أن عليه فطرته لدخوله في عموم قوله‏:‏ ‏[‏ممن تمونون‏]‏‏.‏

واختار أبو الخطاب‏:‏ أنه لا تلزمه فطرته كما تلزمه نفقته وحمل الخبر على من تلزمه المؤنة بدليل وجوبها على الآبق ومن ملكه عند الغروب ولم يمنهما وسقوطها عمن مات أو أعتق قبل الغروب وقد مانه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏على الموسرة التي زوجها معسر فطرة نفسها‏]‏

على الموسرة التي زوجها معسر فطرة نفسها لأنها كالمعدوم وإن كانت أمة ففطرتها على سيدها لذلك ويحتمل أن لا تجب فطرتهما لأن من تجب عليه النفقة معسر فسقطت كما لو كانت الزوجة والسيد معسرين ومن لزمته فطرته غيره فأخرجها عن نفسه بغير إذنه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يجزئه لأدائه ما عليه‏.‏

والثاني‏:‏ لا يجزئه لأنها تجب على غيره فلا يجزئ إخراجها بغير إذن من وجبت عليه كزكاة المال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الواجب في الفطرة‏]‏

والواجب في الفطرة صاع من كل مخرج لحديث ابن عمر رضي الله عنهما ولما روى أبو سعيد قال‏:‏ كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعا طعام أو صاعا من شعير أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب فلما جاء معاوية وجاءت السمراء قال‏:‏ إن مدا من هذا يعدل مدين قال أبو سعيد‏:‏ فلا أزال أخرجه كما كنت أخرجه متفق عليه ومن قدر على هذه الأصناف الأربعة لم يجزه غيرها لأنها المنصوص عليها فأيها أخرج أجزأه سواء كانت قوته أو لم تكن لظاهر الخبر ويجزئ الدقيق والسويق من الحنطة والشعير لقول أبي سعيد لم نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا صاعا من تمر أو صاعا من شعير أو صاعا من زبيب أو صاعا من دقيق ثم شك فيه سفيان بعد فقال‏:‏ دقيق أو سلت رواه النسائي ولأنه أجزئ بحب يكال أو يدخر فأشبه الحب ويجزئ إخراج صاع من أجناس إذا لم يعدل عن المنصوص لأن كل واحد منها يجزئ منفردا فأجزأ بعض من هذا وبعض من هذا كما لو كان العبد لجماعة وقال أبو بكر يتوجه قول آخر أنه يعطي ما قام مقام هذه الخمسة لظاهر قوله‏:‏ صاعا من طعام قال‏:‏ والأول أقيس وفي الأقط روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجزئ إخراجه مع وجود غيره لأنه في الخبر‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجزئ إلا عند عدم الأصناف قال الخرقي‏:‏‏:‏ إن أعطى أهل البادية الأقط أجزأ إذا كان قوتهم وذلك أنه لا يجزئ في الكفارة ولا تجب الزكاة فيه فإن عدم الخمسة أخرج ما قام مقامها من كل مقتات من الحب والتمر وقال ابن حامد‏:‏ يخرجون من قوتهم أي شيء كان كالذرة والدخن ولحوم الحيتان والأنعام‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏أي الأجناس أفضل في زكاة الفطر‏]‏

والأفضل عن أبي عبد الله رضي الله عنه إخراج التمر لما روى مجاهد قال‏:‏ قلت لابن عمر‏:‏ إن الله قد أوسع والبر أفضل من التمر قال‏:‏ إن أصحابي قد سلكوا طريقا وأنا أحب أن أسلكه فآثر الاقتداء بهم على غيره وكذلك أحمد ثم بعد التمر البر لأنه أكثر نفعا وأجود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إخراج الزكاة خبزا‏]‏

ولا يجزئ الخبز لأنه خارج من الكيل والادخار ولا حب معيب ولا مسوس ولا قديم تغير طعمه لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون‏}‏ ولا تجزئ القيمة لأنه عدول عن المنصوص‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏مقدار الصاع‏]‏

والصاع خمس أرطال وثلث بالعراقي وهو بالرطل الذي وزنه ستمائة درهم رطل وأوقية وثلثا أوقية إلى ثلثي درهم‏.‏

قال أحمد الصاع‏:‏ خمسة أرطال وثلث حنطة فإن أعطى خمس أرطال وثلثا تمرا فقد أوفى وقيل له‏:‏ إن الصيحاني ثقيل فقال‏:‏ لا أدري وهذا يدل على أنه ينبغي أن يحتاط في الثقيل بزيادة شيء على خمسة أرطال وثلث ليسقط الفرض بيقين ومصرفها مصرف زكاة المال لأنها زكاة ويجوز إعطاء الواحد ما يلزم الجماعة كما يجوز دفع زكاة مالهم إليه وإعطاء الجماعة ما يلزم الواحد كما يجوز تفرقة ماله عليهم‏.‏

باب‏:‏ إخراج الزكاة والنية

لا يجوز إخراج الزكاة إلا بنية لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إنما الأعمال بالنيات‏]‏ ولأنها عبادة محضة فافتقرت إلى النية كالصلاة ويجوز تقديمها على الدفع بالزمن اليسير كما في سائر العبادات ولأنه يجوز التوكل فيها بنية غير مفارقة لأداء الوكيل ويجب أن ينوي الزكاة أو الصدقة الواجبة أو صدقة المال أو الفطر فإن نوى صدقة مطلقة لم تجزه لأن الصدقة تكون نفلا فلا ينصرف إلى الفرض إلا بتعيين ولو تصدق بجميع ماله تطوعا لم يجزه لأنه لم ينو الفرض ولا يجب تعيين المال المزكى عنه فإن كان له نصابان فأخرج الفرض عن أحدهما بعينه أجزأه لأن التعيين لا يضر وإن أطلق عن أحدهما أجزأه لأنه لو أطلق لكان عن أحدهما فلا يضر التقييد به وإن نوى أنه لو كان الغائب سالما فهو زكاته إلا فهو عن الحاضر صح وكان على ما نواه وإن نوى أنه زكاة أو تطوع لم يصح لأنه لم يخلص النية للفرض وإن نوى أنه زكاة مالي وإن لم يكن سالما فهو تطوع صح لأنه هكذا يقع فلا يضر التقييد به ولو نوى إن كان أبي قد مات فصار ماله لي فهذا زكاته لم يصح لأنه لم يبن على أصل ولو نوى عن ماله الغائب فبان تالفا لم يكن له صرفه إلى الحاضر لأنه عينه للغائب فأشبه ما لو أعتق عبدا عن كفارة لم يملك صرفه إلى أخرى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الوكالة في إخراج الزكاة‏]‏

وإذا كان في إخراج الزكاة ونوى عند الدفع للوكيل ونوى الوكيل عند الأداء جاز وإن نوى الوكيل ولم ينو الموكل لم يجزه لأنها فرض عليه فلم يجزه من غير نية وإن نوى الموكل عند الدفع للوكيل ولم ينو الوكيل عند الدفع‏.‏

فقال أبو الخطاب‏:‏ يجزئ لأن الذي عليه الفرض قد نوى ويحتمل أنه إن نوى بعد الأداء من الدفع لم يجزه لأن الدفع حصل من غير نية قريبة ولا مقارنة وإن دفعها إلى الإمام برئ منها بكل حال لأن يد الإمام كيد الفقراء وإن أخذها الإمام قهرا أجزأت من غير نية رب المال لأنها تؤخذ من الممتنع فلو لم تجزئ ما أخذت هذا ظاهر كلام الخرقي ويحتمل أن لا تجزئه فيما بينه وبين الله تعالى إلا بنيتها لأنها عبادة محضة فلم تجز بغير نية كالمصلي كرها وهذا اختيار أبي الخطاب وابن عقيل وقال القاضي‏:‏ تجزئ نية الإمام في الكره والطوع لأن أخذ الإمام كالقسم بين الشركاء والأول أولى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم تعجيل الزكاة قبل كمال النصاب‏]‏

ولا يجوز تعجيل الزكاة قبل كمال النصاب لأنه سببها فلم يجز تقديمها عليه كالتكفير قبل الحلف ويجوز تعجيلها بعده لما روي عن علي رضي الله عنه‏:‏ أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرخص له في أن يعجل الصدقة قبل أن تحل فرخص له رواه أبو داود ولأنه حق مال أجل للرفق فجاز تعجيله قبل أجله كالدين ودية الخطأ‏.‏

وفي تعجيلها لأكثر من عام روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجوز لأنه عجلها بعد سببها‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجوز لأنه عجلها قبل انعقاد حولها فأشبه ما لو عجلها قبل انعقاد وقت نصابها فإن ملك نصابا فعجل زكاة نصابين عنه وعما يستفيده في الحول الآخر أجزأه عن النصاب دون الزيادة لأنه عجل زكاة الزيادة قبل وجودها ولو ملك خمسا من الإبل فعجل شاتين عنها وعن نتاجها فحال الحول وقد نتجت خمسا فكذلك لما ذكرنا وإن ملك أربعين شاة فعجل عنها شاة ثم ماتت الأمهات وبقيت سخالها أجزأت عنها لأنها لا تجزئ عنها وعن أمهاتها لو كانت باقية فعنها وحدها أولى بخلاف التي قبلها ولو ملك عرضا قيمته ألف فعجل زكاة ألفين فحال الحول وقيمته ألفان أجزأه عن ألف واحد لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا عجل الزكاة فلم تتغير الحال‏]‏

وإذا عجل الزكاة فلم تتغير الحال وقعت موقعها وإن ملك نصابا فعجل زكاته وحال الحول وهو ناقص مقدار ما عجلها أجزأت عنه وإن ملك مائة وعشرين فعجل شاة ثم نتجت أخرى قبل كمال الحول لزمه شاة ثانية لأن المعجل كالباقي على ما ملكه في إجزائه عن الزكاة عند الحول وكذلك في إيجاب الزكاة وإن تغيرت الحال قبل الحول بموت الآخذ أو غناه أو ردته فإن الزكاة تجزئ عن ربها وليس له ارتجاعها لأنه أداها إلى مستحقها فبرئ منها كما لو تلفت عند أخذها أو استغنى بها أما إن تغيرت حال رب المال بموته أو ردته أو تلف النصاب أو بعضه أو بيعه أو حالهما معا‏.‏

فقال أبو بكر والقاضي‏:‏ الحكم كذلك لأنه دفعها إلى مستحقها فلم يملك الرجوع بها كما لو لم يعلمه‏.‏

وقال ابن حامد‏:‏ إن لم يعلمه رب المال أنها زكاة معجلة لم يكن له الرجوع عليه لأن الظاهر أنها عطية تلزم بالقبض فلم يكن له الرجوع بها وإن كان الدافع الساعي أو رب المال لكنه أعلم الآخذ أنها زكاة معجلة رجع إليها لأنه دفعها عن ما يستحقه القابض في الثاني فإذا طرأ ما يمنع الاستحقاق وجب رده كالأجرة إذا انهدمت الدار قبل السكنى ثم إن وجدها بعينها أو زائدة زيادة متصلة رجع بها لأن هذه الزيادة تتبع في الفسوخ فتبعت ههنا وإن زادت زيادة منفصلة فهي للفقير لأنها انفصلت في ملكه وإن نقصت لزم الفقير نقصها لأنه ملكها بقبضها فكان نقصها عليه كالمعيب وإن تلفت فعليه قيمتها يوم قبضها لأن ما زاد بعد ذلك أو نقص إنما هو في ملك الفقير فإن قال المالك‏:‏ أعلمته الحال فأنكر الفقير فالقول قوله مع يمينه لأنه منكر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا عجلها إلى غني فافتقر عند وجوبها‏]‏

ولو عجلها إلى غني فافتقر عند وجوبها لم يجزه لأنه لم يعطها لمستحقها وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها ثم مات لمالك فحسبها الوارث عن زكاته لم يجزه لأنها عجلت قبل ملكه فأشبه ما عجلها هو وإن تسلف الإمام الزكاة فهلكت في يده لم يضمنها وكانت من ضمان الفقراء سواء سأله رب المال أو الفقراء أو لم يسأله الجميع لأن يده كأيديهم وله ولاية عليهم بدليل أن له أخذ الزكاة بغير إذنهم فإذا تلفت من غير تفريط لم يضمن كولي اليتيم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم تعجيل العشر‏]‏

وظاهر كلام القاضي أنه لا يجوز تعجيل العشر لأنه يجب بسبب واحد وهو بدو الصلاح في الثمرة والحب فتعجيله تقديما له على سببه وقال أبو الخطاب‏:‏ يجوز تعجيله إذا ظهرت الثمرة وطلع الزرع ولا يجوز قبله لأن وجود ذلك كملك النصاب وبدو الصلاح كتمام الحول وأما المعدن والزكاة فلا يجوز تقديم صدقتهما قولا واحدا لأن سبب وجوبها يلازم وجوبها ولا يجوز تقديمها قبل سببها‏.‏

باب‏:‏ قسم الصدقات

يجوز لرب المال تفريق زكاته بنفسه لأن عثمان رضي الله عنه قال‏:‏ هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليقضه ثم يزكي بقية ماله وأمر علي رضي الله عنه واجد الركاز أن يتصدق بخمسه وله دفعها إلى الإمام عدلا كان أو غيره لما روى سهيل بن أبي صالح قال‏:‏ أتيت سعد بن أبي وقاص فقلت‏:‏ عندي مال وأريد إخراج زكاته وهؤلاء القوم على ما ترى فقال‏:‏ ادفعها إليهم فأتيت ابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد رضي الله عنهم فقالوا مثل ذلك ولأنه نائب عن مستحقها فجاز الدفع إليه كولي اليتيم قال أحمد‏:‏ أعجب إلي أن يخرجها وذلك لأنه على ثقة من نفسه ولا يأمن من السلطان أن يصرفها في غير مصارفها‏.‏

وعنه‏:‏ ما يدل على أنه يستحب دفع زكاة الأموال الظاهرة إلى السلطان دون الباطنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه رضي الله عنهم كانوا يبعثون سعاتهم لقبض زكاة الأموال الظاهرة دون الباطنة وقال ابن أبي موسى وأبو الخطاب‏:‏ دفعها إلى الإمام العادل أفضل لأنه أعلم بالمصارف والدفع إليه أبعد من التهمة ويبرأ بها ظاهرا وباطنا ودفعها إلى أهلها ويحتمل أن يصادف غير مستحقها فلا يبرأ بها باطنا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بعث السعاة لقبض الصدقات‏]‏

ويجب على الإمام أن يبعث السعاة لقبض الصدقات لأن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء رضي الله عنهم كانوا يفعلونه ولأن في الناس من لا يؤدي صدقته أو لا يعلم ما عليه ففي إهمال ذلك ترك للزكاة ومن شرط الساعي أن يكون بالغا عاقلا أمينا لأن الصبي والمجنون لا قبض لهما والخائن يذهب بمال الزكاة ولا يشترط كونه فقيرا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد بعث عمر وعمله وكان غنيا ولأن ما يعطيه أجرة فأشبه أجرة حملها ولا كونه حرا لأن المقصود يحصل منه من غير ضرر فأشبه الحر ولا فقيها إذا كتب له ما يأخذ وحده له أو بعث معه من يعلمه ذلك لأنه استئجار على استيفاء حق فلم يشترط له الفقه كاستيفاء الدين‏.‏

قال أبو الخطاب‏:‏ في إسلامه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يشترط ذلك ولأنه قد يعرف منه الأمانة بالتجربة بدليل قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك‏}‏‏.‏

والأخرى‏:‏ هو شرط لأن الكفر ينافي الأمانة وقد قال عمر رضي الله عنه‏:‏ لا تأتمنوهم وقد خونهم الله تعالى قال أصحابنا‏:‏ وجوز أن يكون من ذوي القربى لأن ما يأخذه أجرة فلم يمنع منها كأجرة الحمل وظاهر الخبر يمنع ذلك فإن الفضل بن عباس وعبد الطلب بن ربيعة سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا‏:‏ يا رسول الله لو بعثنا على هذه الصدقة فنصيب منها ما يصيب الناس ونؤدي إليك ما يؤدي الناس فأبى أن يبعثهما وقال‏:‏ ‏[‏إن هذه الصدقة لا تنبغي لآل محمد إنما هي أوساخ الناس‏]‏ رواه مسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى يبعث الساعي‏؟‏‏]‏

وإذا كان الساعي يبعث لأخذ العشر بعث في وقت إخراجه وإن بعث لقبض غيره بعث في أول محرم لأنه أول السنة ويستحب أن يعد الماشية على أهلها على الماء أو في أفنيتهم لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏تؤخذ صدقات الناس على مياههم وأفنيتهم‏]‏ وإن أخبره صاحب المال بعدده قبل منه وإن قال‏:‏ لم يكمل الحول أو فرقت زكاته ونحو هذا مما يمنع الأخذ منه قبل منه ولم يحلفه لأن الزكاة عبادة وحق لله تعالى فلا يحلف عليهما كالصلاة والحد وإن أعطاه صدقته استحب أن يدعو له لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلاتك سكن لهم‏}‏ وروى عبد الله بن أبي أوفى قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال‏:‏ ‏[‏اللهم صل على آل فلان‏]‏ فأتاه أبي بصدقة فقال‏:‏ ‏[‏اللهم صل على آل أبي أوفى‏]‏ متفق عليه ولا يجب الدعاء لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر سعاته بذلك ويستحب أن يقول‏:‏ آجرك الله فيما أعطيت وبارك الله فيما أبقيت وجعل لك طهورا ويستحب للمعطي أن يقول‏:‏ اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما وإن وجد الساعي مالا لم يكمل حوله فسلفه ربه زكاته أخذها وإن أبى لم يجبره لأنه ليس بواجب عليه فإما أن يوكل من يقبضها منه عند حولها وإما أن يؤخرها إلى الحول الثاني‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تفريق الصدقة‏]‏

ويؤمر الساعي بتفريق الصدقة في بلدها لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ‏:‏ ‏[‏أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم‏]‏ ولا يجوز نقلها عنهم إلى بلد تقصر فيه الصلاة لذلك ولأن نقلها عنهم يفضي إلى ضياع فقرائهم فإن نقلها رب المال ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يجزئه لأنه حق واجب لأصناف بلد فلم يجزئ إعطاؤها لغيرهم كالوصية لأصناف بلد‏.‏

والأخرى‏:‏ يجزئه لأنهم من أهل الصدقات فإن استغنى عنها أهل بلدها جاز نقلها لما روي أن معاذا بعث إلى عمر صدقة من اليمن فأنكر عمر ذلك وقال‏:‏ لم أبعثك جابيا ولا آخذ جزية ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس وترد في فقرائهم فقال معاذ‏:‏ ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني رواه أبو عبيد في كتاب الأموال فإن كان مال الرجل غائبا عنه زكاه في بلد المال فإن كان متفرقا زكى كل مال حيث هو فإن كان نصابا من السائمة ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يلزمه في كل بلد من الرفض بقدر ما فيه من المال لئلا تنقل زكاته إلى غير بلده‏.‏

والثاني‏:‏ يجزئه الإخراج في بعضها لئلا يفضي إلى تشقيص زكاة الحيوان وإن كان ماله تجارة يسافر به قال أحمد رضي الله عنه‏:‏ يزكيه في الموضع الذي أكثر مقامه فيه‏.‏

وعنه‏:‏ يعطي بعضه في هذا البلد وبعضه في هذا وقال القاضي‏:‏ يخرج زكاته حيث حال حوله لأن المنع هذا يفضي إلى تأخير الزكاة وإن كان ماله في بادية فرق زكاته في أقرب البلاد إليها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نقل الصدقة‏]‏

إذا احتاج الساعي إلى نقل الصدقة استحب أن يسم الماشية لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسمها ولأن الحاجة تدعو إلى ذلك لتمييزها عن غنم الجزية والضوال ولترد إلى مواضعها إذا شردت ويسم الإبل والبقر في أصول أفخاذها لأنه موضع صلب يقل ألم الوسم فيه وهو قليل الشعر فتظهر السمة ويسم الغنم في آذانها فيكتب عليها‏:‏ لله أو زكاة وإن وقف من الماشية في الطريق شيء أو خاف هلاكه جاز بيعه لأنه موضع ضرورة وأن باع لغير ذلك فقال القاضي‏:‏ البيع باطل وعليه الضمان لأنه متصرف بالإذن ولم يؤذن له في ذلك ويحتمل الجواز لأن قيس بن أبي حازم روى أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى في إبل الصدقة ناقة كوماء فسأل عنها فقال المصدق‏:‏ إني ارتجعتها بإبل فسكت رواه سعيد بن منصور ومعنى الارتجاع أن يبيعها ويشتري بثمنها غيرها‏.‏

باب‏:‏ ذكر الأصناف الذين تدفع الزكاة لهم

وهم ثمانية ذكرهم الله تعالى في قوله‏:‏ ‏{‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم‏}‏‏.‏

فلا يجوز صرفها إلى غيرهم من بناء مساجد أو إصلاح طريق أو كفن ميت لأن الله تعالى خصهم بها بقوله‏:‏ ‏{‏إنما‏}‏ وهي للحصر تثبت المذكور وتنفي ما عداه ولا يجب تعميمهم بها‏.‏

وعنه‏:‏ يجب تعميمهم التسوية بينهم وأن يدفع من كل صنف إلى ثلاثة فصاعدا لأنه أقل الجمع إلا العامل فإن ما يأخذه أجره فجاز أن يكون واحدا وإن تولى الرجل إخراجها بنفسه سقط العامل وهذا اختيار أبي بكر لأن الله تعالى جعلها لهم بلام التمليك وشرك بينهم بواو التشريك فكانت بينهم على السواء كأهل الخمس والأول‏:‏ المذهب لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ‏:‏ ‏[‏أعلمهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم‏]‏ أمر بردها من صنف واحد وقال لقبيصة لما سأله في حمالة‏:‏ ‏[‏أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها‏]‏ وهو صنف واحد وأمر بني بياضة بإعطاء صدقاتهم سلمة بن صخر وهو واحد فتبين بهذا أن مراد الآية بيان مواضع الصرف دون التعميم ولذلك لا يجب تعميم كل صنف ولا التعميم بصدقة واحد إذا أخذها الساعي بخلاف الخمس‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إذا تولى القسمة بدأ بالساعي فأعطاه عمالته‏]‏

إذا تولى القسمة بدأ بالساعي فأعطاه عمالته لأنه يأخذ عوضا فكان حقه آكد ممن يأخذ مواساة وللإمام أن يعين أجرة الساعي قبل بعثه وله أن يبعثه من غير شرط لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عمر رضي الله عنه ساعيا ولم يجعل له أجرة فلما جاء أعطاه فإن عين له أجرة دفعها إليه وإلا دفع إليه أجرة مثله ويدفع منها أجرة الحاسب والكاتب والعداد والسائق والراعي والحافظ والحمال والكيال ونحو ذلك لأنه من مؤنتها فقدم على غيره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم للفقراء والمساكين‏]‏

والفقراء والمساكين صنفان وكلاهما يأخذ لحاجته إلى مؤنة نفسه والفقراء أشد حاجة لأن الله تعالى بدأ بهم والعرب إنما تبدأ بالأهم فالأهم ولأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر‏}‏ فأخبر أن لهم سفينة يعملون بها ولأن النبي صلى الله عليه وسلم استعاذ من الفقر وقال‏:‏ ‏[‏اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين‏]‏ رواه الترمذي فدل على أن الفقراء أشد فالفقير من ليس له ما يقع موقعا من كفايته من مكسب ولا غيره والمسكين الذي له ذلك فيعطى كل واحد منهما ما تتم به كفايته وإذا ادعى الفقر من لم يعرف بغنى قبل قوله بغير يمين لأن الأصل عدم المال وإن ادعاه من عرف غناه لم يقبل إلا ببينة لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل أصابته فاقة حتى يشهد له ثلاث من ذوي الحجى من قومه لقد أصابت فلانا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قوما من عيش أو سدادا من عيش‏]‏ رواه مسلم وإن رآه جلدا وذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين لما روى عبيد الله بن عدي بن الخيار‏:‏ أن رجلين أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقسم الصدقة فسألاه شيئا فصعد بصره فيهما وصوبه وقال لهما‏:‏ ‏[‏إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

وإن ادعى أن له عيالا‏:‏ فقال القاضي وأبو الخطاب‏:‏ يقلد في ذلك كما قلد في حاجة نفسه‏.‏

وقال ابن عقيل‏:‏ لا يقبل إلا ببينة لأن الأصل عدم العيال فلا تتعذر إقامة البينة عليهم وإن كان لرجل دار يسكنها أو دابة يحتاج إلى ركوبها أو خادم يحتاج إلى خدمته أو بضاعة يتجر بها أو ضيعة يستغلها أو سائمة يقتنيها ولا يقوم بكفايته فله أخذ ما تتم به الكفاية ولا يلزم بيع شيء من ذلك قل أو كثر‏.‏

فصل‏:‏ الصنف الرابع

المؤلفة وهم السادة المطاعون في عشائرهم وهم ضربان‏:‏ كفار ومسلمون فالكفار من يرجى إسلامهم أو يخاف شرهم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أمية يوم حنين قبل إسلامه ترغيبا له في الإسلام‏.‏

والمسلمون أربعة أضرب‏:‏

منهم من له شرف يرجى بإعطائه إسلام نظيره فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه أعطى عدي بن حاتم ثلاثين فريضة من الصدقة وأعطى الزبرقان بن بدر مع ثباتهما وحسن نيتهما‏.‏

الثاني‏:‏ ضرب نيتهم ضعيفة في الإسلام فيعطون لتقوى نيتهم فيه فإن أنسا قال حيى أفاء الله على رسوله أموال هوزان طفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي رجالا من قريش المائة من الإبل وقال‏:‏ ‏[‏إني أعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتالفهم‏]‏ متفق عليه‏.‏

الثالث‏:‏ قوم إذا أعطوا قاتلوا ودفعوا عن المسلمين‏.‏

الرابع‏:‏ قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها إلا أن يخاف هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة لأنهم داخلون في اسم المؤلفة وقد سمى الله تعالى لهم سهما‏.‏

وروى حنبل عن أحمد رضي الله عنه أن حكمهم انقطع لأن عمر وعثمان رضي الله عنهما لم يعطياهم شيئا والمذهب الأول فإن سهمهم ثبت بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ولا يثبت النسخ بالاحتمال وترك عمر وعثمان عطيتهم وإنما كان لغناهم عنهم والمؤلفة إنما يعطون للحاجة إليهم فإن استغني عنهم فلا شيء لهم‏.‏

فصل‏:‏ الخامس

الرقاب وهم المكاتبون يعطون ما يؤدونه في كتابتهم ولا يقبل قوله‏:‏ إنه مكاتب إلا ببينة لأن الأصل عدمها فإن صدقه المولى ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يقبل لأن السيد يقر على نفسه‏.‏

والثاني‏:‏ لا يقبل لأنه متهم في أن يواطئه ليأخذ الزكاة بسببه وللسيد دفع زكاته إلى مكاتبه لأنه معه في باب المعاملة كالأجنبي ويجوز أن يردها المكاتب إليه لأنه يأخذها وفاء عن دينه فأشبه الغريم ولا يزاد المكاتب على ما يوفي كتابته ويجوز أن يدفع إليه قبل حلول النجم لئلا يحل وهو معسر فتنفسخ كتابته وهل يجوز الإعتاق من الزكاة فيه روايتان‏:‏

أحدهما‏:‏ يجوز لأنه من الرقاب فيدخل في الآية فعلى هذا يجوز أن يعين في ثمنها وأن يشتريها كلها من زكاته ويعتقها ولا يجوز أن يشتري ذا رحمه المحرم عليه فإن فعل عتق عليه ولم تسقط الزكاة لأن عتقه حصل بسبب غير الإعتاق من الزكاة ويجوز أن يفتك منها أسيرا مسلما لأنه فك رقبته من الأسر‏.‏

والرواية الثانية‏:‏ لا يجوز الإعتاق منها لأن الآية تقضي الدفع إلى الرقاب لقوله‏:‏ ‏{‏في سبيل الله‏}‏ يريد الدفع إلى المجاهدين والعبد لا يدفع إليه‏.‏

فصل‏:‏ السادس

الغارمون وهم ضربان‏:‏ ضرب غرم لإصلاح ذات البين وهو من يحمل دية أو مالا لتسكن فتنة وإصلاح بين طائفتين فيدفع إليه من الصدقة ما يؤدي حمالته وإن كان غنيا لما روى قبيصة بن مخارق قال‏:‏ تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال‏:‏ ‏[‏أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها ثم قال‏:‏ يا قبيصة إن الصدقة لا تحل إلا لثلاث رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك‏]‏ رواه مسلم ولأنه يأخذ لمصلحة المسلمين فجاز له الأخذ مع الغنى كالغازي‏.‏

الضرب الثاني‏:‏ من غرم لمصلحة نفسه في مباح فيعطى من الصدقة ما يقضي غرمه ولا يعطي مع الغنى لأنه يأخذ لحاجة نفسه فلم يدفع إليه مع الغنى كالفقير وإن غرم في معصية لم يدفع إليه قبل التوبة لأنه لا يؤمن أن يستعين بها في المعصية وفي إعطائه بعد التوبة وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يعطى لأنه يأخذ لتفريغ ذمته لا لمعصية فجاز كإعطائه لفقره‏.‏

والثاني‏:‏ لا يعطى لأنه لا يؤمن عوده إلى المعصية ولا يقبل قوله‏:‏ إنه غارم إلا ببينة فإن صدقه الغريم فعلى وجهين ويجوز للرجل دفع زكاته إلى غريمه وأخذها منه لما ذكرنا في المكاتب‏.‏

فصل‏:‏ السابع

في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا حق لهم في الديوان إذا نشطوا غزوا ويعطون قدر ما لا يحتاجون إليه لغزوهم من نفقة طريقهم وإقامتهم وثمن السلاح والخيل إن كانوا فرسانا وما يعطون السايس وحمولتهم إن كانوا رجالا مع الغنى لأنهم يأخذون لمصلحة المسلمين ولا يعطى الراتب في الديوان لأنه يأخذ قدر كفايته من الفيء وفي الحج روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ هو من سبيل الله فيعطى من الصدقة ما يحج به حجة الإسلام أو يعينه فيها مع الفقر لما روي أن رجلا جعل ناقة له في سبيل الله فأرادت امرأته الحج فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏اركبيها فإن الحج في سبيل الله‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجوز ذلك لأن سبيل الله إذا أطلق إنما يتناول الغزو ولأنه لا مصلحة للمسلمين في حج الفقير ولا حاجة به إلى إيجاب الحج عليه فلم يدفع إليه كحج النفل‏.‏

فصل‏:‏ الثامن

ابن السبيل وهو المسافر المنقطع به وله اليسار في بلده فيعطى من الصدقة ما يبلغه فأما المنشئ للسفر من بلده فليس بابن سبيل لأن السبيل الطريق وابنها الملازم لها الكائن فيها والقاطن في بلده ليس بمسافر ولا له حكم المسافر فإن كان هذا فقيرا أعطي لفقره وإلا فلا ومن كان سفره لمعصية فهل يدفع إليه بعد التوبة ما يرجع به‏؟‏ على وجهين كما ذكرنا فيمن غرم لمعصية‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم الزيادة للفقير والمسكين على ما يغنيهما‏]‏

ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر مما يدفع به حاجته فلا يزاد الفقير والمسكين على ما يغنيهما ولا العامل على أجرته ولا المؤلفة على ما يحصل به التأليف ولا الغارم والمكاتب على ما يقضي دينهما ولا الغازي على ما يحتاج إليه لغزوه ولا ابن السبيل على ما يوصله بلده لأن الدفع لحاجة فوجب أن يتقيد بها وإن اجتمع في واحد سببان كالغارم الفقير دفع إليه بهما لأن كل واحد منهما سبب للأخذ فوجب أن يثبت حكمه حيث وجد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من يأخذون أخذا مستقرا لا يرجع عليهم بشيء‏]‏

وأربعة يأخذون أخذا مستقرا لا يرجع عليهم بشيء الفقراء والمساكين والعاملون والمؤلفة وأربعة يأخذون أخذا مراعى الرقاب والغارمون والغزاة وابن السبيل إن صرفوه فيما أخذوا له وإلا استرجع منهم وإن فضل مع المكاتب شيء بعد أداء كتابته أو مع الغارم بعد قضاء غرمه أو مع الغازي بعد غزوه أو مع ابن السبيل بعد وصوله إلى بلده استرجع منهم أو استغنوا عن الجميع ردوه وإن عجز المكاتب رجع على سيده بما أخذ لأن الدفع إليهم لمعنى لم يوجد‏.‏

وقال الخرقي‏:‏ إذا عجز المكاتب ورد في الرق وقد كان تصدق عليه بشيء فهو لسيده وأربعة يأخذون مع الغنى الغازي والعامل والغرم للإصلاح والمؤلفة لأنهم يأخذون لحاجتنا إليهم والحاجة توجد مع الغنى وسائرهم لا يعطون إلا مع الفقر لأنهم يأخذون لحاجتهم فاعتبر ذلك فيهم إلا أن ابن السبيل تعتبر حاجته في مكانه وإن كان له مال في بلده لأنه غير مقدور عليه فهو كالمعدوم ولا يستحب إعلام الآخذ أنها زكاة إذا كان ظاهره الاستحقاق لأن فيه كسر قلبه قال أحمد‏:‏ لا يبلغه بها يعني‏:‏ لا يعلمه فإن شك في استحقاقه أعلمه كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم الرجلين الجلدين‏.‏

باب‏:‏ من لا يجوز دفع الزكاة إليه

وهم ستة أصناف‏:‏ الكافر لا يجوز الدفع إليه لغير التأليف لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم‏]‏ ولأنها مواساة تجب على المسلم فلا تجب للكافر كالنفقة‏.‏

الثاني‏:‏ المملوك لأن ما يعطاه يكون لسيده ولأن نفقته على سيده فهو غني بغناه‏.‏

الثالث‏:‏ بنو هاشم لا يعطون منها إلا لغزو أو حمالة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏إنما الصدقة أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد وآل محمد‏]‏ وسواء أعطوا حقهم من الخمس أو منعوه لعموم الخبر ولأن منعهم لشرفهم وشرفهم باق فينبغي المنع‏.‏

الرابع‏:‏ مواليهم‏:‏ وهم معتقوهم فحكمهم حكمهم لما روى أبو رافع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة فقال لأبي رافع‏:‏ اصحبني كيما تصب منها فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال‏:‏ ‏[‏إنا لا تحل لنا الصدقة وإن مولى القوم منهم‏]‏ وهذا حديث صحيح ولأنهم ممن يرثهم بني هاشم بالتعصيب فحرمت عليهم الصدقة كبني هاشم‏.‏

وفي بني المطلب روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تحل لهم لأن المنع اختص بآل محمد وهم بنو هاشم فلا يلحق بهم غيرهم‏.‏

والثاني‏:‏ يحرم عليه لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد وشبك أصابعه‏]‏ أخرجه البخاري ‏[‏والحديث بتمامه أخرجه الشافعي في مسنده‏]‏ ولأنهم يستحقون من خمس الخمس فأشبهوا بني هاشم‏.‏

الخامس‏:‏ الغني لا تحل له الزكاة سوى من ذكرنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا حظ فيها لغني ولا قوي مكتسب‏]‏ وقوله‏:‏ ‏[‏لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي‏]‏ وهذا حديث حسن وفي ضابطه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أنه الكفاية على الدوام إما بصناعة أو مكسب أو أجرة أو نحوه اختارها أبو الخطاب وابن شهاب لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة‏:‏ ‏[‏فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو سداد من عيش‏]‏ مد إباحة المسألة إلى حصول الكفاية ولأن الغنى ضد الحاجة وهي تذهب بالكفاية وتوجد مع عدمها‏.‏

والثانية‏:‏ أنه الكفاية أو ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب لما روى ابن مسعود قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من سأل وله ما يغنيه جاءت مسألته يوم القيامة خموشا أو خدوشا أو كدوحا في وجهه‏]‏ فقيل‏:‏ يا رسول الله ما الغنى‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏خمسون درهما أو قيمتها من الذهب‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن فعلى هذه الرواية‏:‏ إن كان له عيال فله أن يأخذ لكل واحد من عياله خمسين نص عليه ولو ملك عروضا تكثر قيمتها لا تقوم بكفايته جاز الأخذ رواية واحدة وإذا كان للمرأة زوج غني فهي غنية لأن كفايتها واجبة عليه وجوبا متأكدا فأما من تجب نفقته على نفسه فله الأخذ من الزكاة لأن استحقاقه للنفقة مشروط بفقره فيلزم من وجوبها له وجود الفقر بخلاف نفقة الزوجة ولأن وجوبها بطريق الصلة والمواساة بخلاف غيرها‏.‏

السادس‏:‏ من تلزمه مؤنته‏:‏ كزوجته ووالديه وإن علوا وأولاده وإن سفلوا الوارث منهم وغيره ولا يجوز الدفع إليهم لأن في دفعها إليهم إغناء لهم عن نفسه فكأنه صرفها إلى نفسه وفيمن يرثه غير عمودي نسبه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يدفع إليه لأن الله تعالى أوجب نفقته عليه بقوله‏:‏ ‏{‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏‏.‏

والثانية‏:‏ يجوز لأنه ممن تقبل شهادته له فجاز الدفع إليه كالأجانب فإن كان محجوبا عن ميراثه أو من ذوي الأرحام جاز الدفع إليه وإن كان شخصان يرث أحدهما صاحبه دون الآخر كالعمة مع ابن أخيها فللموروث دفع زكاته إلى الوارث لأنه لا يرثه وفي دفع الوارث زكاته إلى موروثه الروايتان وهل للمرأة دفع زكاتها إلى زوجها‏؟‏ على روايتين‏:‏

إحدهما‏:‏ يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لزينب امرأة ابن مسعود‏:‏ ‏[‏زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم‏]‏ رواه البخاري ولأنه لا تلزمها نفقته فلم تحرم عليه زكاتها كالأجنبي‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجوز لأنها تنتفع بدفعها إليه لوجوب نفقتها عليه وتبسطها في ماله عادة فلم يجز دفعها إليه كالولد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من يجوز له الأخذ من صدقة التطوع‏]‏

ويجوز لكل واحد من هؤلاء الأخذ من صدقة التطوع لأن محمد بن علي كان يشرب من سقايات بين مكة والمدينة وقال‏:‏ إنما حرمت علينا الصدقة المفروضة ويجوز لفقراء ذوي القربى الأخذ من وصايا الفقراء والنذور لأنها صدقة تطوع بها وفي أخذهم من الكفارة وجهان‏.‏

وعنه‏:‏ منعهم من صدقة التطوع لعموم الخبر والأول أظهر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏كل معروف صدقة‏]‏ حديث صحيح ويجوز اصطناع المعروف إليهم وروى أبو سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة‏:‏ لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها أو لغارم أو لرجل ابتاعها بماله أو لرجل كان له جار مسكين فتصدق على المسكين فأهدى المسكين إلى الغني‏]‏ رواه أبو داود ولو أهدى المسكين مما تصدق به عليه إلى الهاشمي حل له لأن النبي صلى الله عليه وسلم أكل مما تصدق به على أم عطية نسيبة وقال‏:‏ إنها قد بلغت محلها متفق عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا دفع رب المال الصدقة إلى غني يظنه فقيرا‏]‏

وإذا دفع رب المال الصدقة إلى غني يظنه فقيرا ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يجزئه لأنه دفعها إلى غير مستحقها فأشبه دفع الدين إلى غير صاحبه‏.‏

والثانية‏:‏ يجزئه لأن النبي صلى الله عليه وسلم اكتفى بالظاهر لقوله للرجلين‏:‏ ‏[‏إن شئتما أعطيتكما منها ولا حظ فيها لغني‏]‏ وهذا يدل على أنه يجزئ ولأن الغنى يخفى فاعتبار حقيقته يشق ولهذا قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف‏}‏ وإن بان كافرا أو عبدا أو هاشميا لم تجزئه رواية واحدة لأن حال هؤلاء لا تخفى فلم يعذر الدافع إليهم بخلاف الغني‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بمن بيدأ الرجل في إخراج زكاته‏]‏

وإذا تولى الرجل إخراج زكاته استحب أن يبدأ بأقاربه الذين يجوز الدفع إليهم لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏صدقتك على ذي القربى صدقة وصلة‏]‏ رواه الترمذي والنسائي ويخص ذوي الحاجة لأنهم أحق ومن مات وعليه زكاة ودين لا تتسع تركته لهما قسمت بينهما بحصصهما لأنهما تساويا في الوجوب فتساويا في القضاء‏.‏